سيف الدولة
جوزف الهاشم
Friday, 24-Jan-2025 06:59

بين رئيسٍ للجمهورية قائد، ورئيس حكومة إنتخبتْهُ الأُمم المتحدة رئيساً لمحكمة العدل الدولية، تكاملت الرئاستان: رجلٌ يحمل سيفَ السيادة، ورجلٌ يحمل سيف العدالة.
في كتابه: «حدّ السيف» برزت ثقافة الجنرال ديغول: في الحرب والحكم والسياسة والإجتماع.
وفي وطنٍ مضروبٍ بسيفه، لا سيادة ولا عدالة ولا ريادة، حين برزت ملامح هذا الحكم، هتفتْ له أصواتُ الشعب ومنحته ثقةً قلّما كانت لثنائي من قبل، وهبَّتْ مواكب الدول تقدّم التهنئة والمساعدة والدعم.
لبنان يتمتّع بخصوصية دولية، ولأنّه في تكوينه الحضاري النموذجي يشكّل مثالاً عالمياً لتعدّدية المجتمعات، راحت الدولُ الشقيقة والصديقة تقدّم لنا النصائح والحلول لإنقاذ هذا اللبنان، ونحن كنّا نتهاوى في غيبوبة وطنية ونهرْولُ وراء المجهول... أسوأُ صفعةٍ يَنْدى لها الجبين، أنْ يقول لنا الآخرون كونوا لبنانيين.
ألَمْ نخجل من لبنانيتنا، عندما نرى الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون يكتب في سجلّ القصر الجمهوري: «إنّ لبنان أكبر من حجمه الجغرافي...» وقد جعلناه نحن أصغر من حجمه التاريخي...؟
وحتى لا ننسى كما نسينا من قبل، ها هو لبنان اليوم، والمشهد شاخصٌ أمامنا: لقد تحطّم وتدمّى، تأجّج وتلظّى، تدمّر وتشظّى، تهجّر وتفجَّر، وكم من مرّة بعد سيتكرّر هذا المشهد؟ مع أيّ جيلٍ وفي أيِّ مستقبل وزمان؟ بأيِّ بصيرةِ عينٍ ننظرُ إلى هذا اللبنان اليوم، وبأيِّ شراهة عين ننظر إليه فريسةً حكومية نتناتشُها حصَصاً؟
عندما انتُخب بشارة الخوري رئيساً بعد صراعٍ شرسٍ بينه وبين إميل إده قال: «أريد أن أجمع كلّ عداوات الماضي وأُضرمُ فيها النار... فبادلَ إميل إده المبادرة بمثلها» (1).
هكذا تكون المبادئ السياسية والممارسة الديمقراطية... «مبدأ النظام الديمقراطي هو الفضيلة» كما يقول «منتسكيو»، وفضيلة النظام الديمقراطي هو الدستور، الذي يحدّد القواعد بين الحاكم والمحكوم، وبين الفرد والدولة، وبين الحريّة والسلطان.
هذا الدستور، حمله الرئيس المكلّف نواف سلام بين يديه الممدودتَين إنفتاحاً في الإستشارات النيابية، وبعد لقائه الرئيس نبيه بري قال: «أنا ودولة الرئيس نقرأ في كتاب واحد...» وهذا الدستور هو الوديعة التي يرثُها الرئيس جوزاف عون عن فؤاد شهاب... إنّه الكتاب.
عندما نقرأ كلُّنا في كتاب وطنّي واحد، تبطل حاجتنا إلى التعلُّق بلغة الكتاب الأجنبي.
بلغة الكتاب الوطني أعلن رئيس الحكومة المكلّف أنّه سيؤلف الحكومة، أيْ: ليس على غرار ما سبَقَ من حكومات غالباً ما تكون مخلوقاً عجائبياً: مجموعة وزراء في حكومة واحدة، بعضُها يعارض بعضَها، وبعضُها موالٍ لمَن عيّنَهُ، يأتمر بأوامر صاحب النعمة.
عندما يكون هناك مسؤولون على مستوىً عـالٍ من النزاهة والترفّع والضمير الوطني، يصبح تأليف الحكومة نابعاً من مصلحة الوطن، لا من مصلحة أصحاب المحسوبيات والسمسرة وشهوة الصفقات.
يقول كمال جنبلاط: «إنّ الرئيس سليمان فرنجية عند تكليف تقي الدين الصلح رئاسة الحكومة طلب منه أن يختار هو أسماء الوزراء ليوقِّع المراسيم دونما اعتراض (2).
رئيس الحكومة المكلّف قال في إطلالته الأخيرة لدى خروجه من القصر الجمهوري «أنا من يشكّل الحكومة ولستُ صندوق بريدٍ لأحد...».
إذا ألَّف الرئيس المكلّف هو الحكومة... تكون هناك حكومة لدولة، وإذا ألّفوا همُ الحكومة تكون الحكومة صندوق بريد... وتظلّ الدولةُ ضريحاً من رُخام نكتب عليه أسماء أجدادنا ونزورهُ كل عامٍ في الأعياد الرسمية.

-1 بشارة الخوري - وليد عوض، الجزء الأول ص: 290
-2 كتاب كمال جنبلاط: «حوارات صحافية»: ص: 248 - جريدة المحرر: 17/11/1974.

الأكثر قراءة